
بقلم: دكتور جوني منصور
عن القدس العربي
تحل في الثلاثين من مارس/آذار الذكرى الـ 49 ليوم الأرض الخالد، لكن هذه الذكرى في هذا العام، وبالأحرى في العامين الأخيرين المتتاليين لها وقعٌ خاصٌ، من حيث الألم والوجع والجرح الفلسطيني النازف. فعدوان الإبادة الذي تقوده آلة الحرب الإسرائيلية ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، وفي مناطق عدّة من الضفّة الغربية، ما هو إلّا تصعيدٌ تراكميٌ ضمن تطور ونمو المشروع الصهيوني، المؤسّس، منذ أكثر من قرنٍ ونيف، على اقتلاع الفلسطينيين أصحاب البلاد من أراضيهم، وإحلال مستعمرين مستوطنين أحضروهم من مختلف أنحاء العالم، بذريعة العودة إلى أرض الآباء والأجداد والأرض الموعودة، وفقًا لأدبيات الحركة الصهيونية، والتي إن كانت حركةً علمانيةً إلّا أنّها تتغطّى بنصوصٍ توراتيةٍ تخدم أجندتها.
وقعَ يوم الأرض في عام 1976، على خلفية مخططات حكومة إسرائيل لتهويد الجليل سرًّا، وتطويره علنًا، اقتضى الأمر حينها مصادرة عشرات آلاف الدونمات من أراضي فلسطينيي 48، وخصوصًا مناطق سخنين-عرابة-دير حنا وسواهم من القرى الفلسطينية في الجليل، التي بقيت صامدةً في وجه الاحتلال منذ نكبة 1948. تكشّفت الحقيقة كالشمس بعد فضح المخطّط الحكومي، فـ"التطوير"، بلغة ومفاهيم الحكومة الإسرائيلية، هو "تهويدٌ"، والمصادرات هي الاستيلاء على الأرض لصالح المشاريع الاستيطانية.
لم تمر السنوات منذ يوم الأرض من دون نضالٍ مستمرٍ في وجه آلة المصادرة والاستيلاء على الأرض، التي تتبعها حكومات إسرائيل المتتالية، فكلما استولوا على المزيد من الأراضي، وألحقوها بالمستوطنات، انخفض عدد الفلسطينيين فيها وبجوارها.
بتوجهات هذه السياسات الصهيوإسرائيلية، تستمر حكومة إسرائيل الحالية، التي يرأسها ائتلافٌ يمينيٌ متطرّفٌ، غير مسبوقٍ في تاريخ إسرائيل، في إعلانها صباح مساء نيتها تطبيق عمليات طرد الفلسطينيين وتهجيرهم من قطاع غزّة، بذريعة حقّ الدفاع عن النفس، وتوفير الأمن والأمان لمستعمرات غلاف غزّة، التي لا يتجاوز عدد سكانها أربعين ألفًا، مقابل مليونين ونصف مليون فلسطينيٍ نازحٍ ولاجئٍ في القطاع. تبنّي هذه الحكومة سياسة الطرد والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في قطاع غزّة؛ ما هو إلّا استمراريةٌ لسياسات الحكومات السابقة، وتناسقٌ بالتمام مع الفكر الأقتلاعي الصهيوني.
هذه السياسات التي تستمر حكومة إسرائيل الحالية في تطبيقها؛ تحمل في طياتها رسائل تهديدٍ ووعيدٍ للفلسطينيين في الداخل، بأنّ مصيرهم سيكون كذلك. أيّ تتوعد حكومة إسرائيل "مواطنيها" العرب الفلسطينيين، الذين يحملون هوياتها، بالإخلاء والطرد والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم. هذا الأمر ليس غريبًا، إذ إنّ عددًا من الوزراء قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول وبعده لوحوا براية الطرد والإخلاء والتهديد بتنفيذ نكبةٍ ثانيةٍ ضدّ الفلسطينيين.
باعتقاد الكاتب؛ أنّ ذكرى يوم الأرض الحالية ليست كما السنوات السابقة نهائيًا؛ فذكرى هذا العام مثقلةٌ بالألم، ومثخنةٌ بالجروح، وغارقةٌ بشعور الخذلان من طرف ذوي القربى، ومن حكومات بعض البلدان، التي اصطفت إلى جانب منفذي العدوان.
يوم الأرض هذا العام اختبارٌ إضافيٌ لصمود الفلسطينيين في وجه سياسات التطهير العرقي للشعب الفلسطيني، والاستيلاء على أراضيهم، وتحويلها إلى مشاريع استيطانية، كما حصل في الضفّة الغربية في الأسبوعين الأخيرين.
سيمُرّ يوم الأرض هذا العام مؤسِّسًا لمداميك أخرى من مآسي الشعب الفلسطيني في غزّة، وجلوس الفلسطينيين في مواقع أخرى من فلسطين التاريخية على مقعد الانتظار لما هو آتٍ في قادم الأيّام، وما هو آتٍ ليس خفيًّا على أحد، إنّه تمدُّد المشروع الاستعماري الصهيوإسرائيلي إلى ما بعد فلسطين، فهل يستيقظ أصحاب الشأن، ويتفكروا في كيفية مواجهة هذا المشروع، وكيفية إيقافه إنقاذًا لما بقي من ماء الوجه؟
خلاصة الأمر، إنّ ذكرى هذا العام غير مُبَشِّرةٍ بأيّ خطوةٍ إيجابيةٍ لصالح الفلسطينيين، الذين أصبحوا كبش فداءٍ لمشاريع عقارية، تُقترح على أرضهم، وتحولها إلى تجارةٍ وليس إلى حياةٍ تثبتهم على ترابها.