تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

انتبهوا إلى ظاهرة التطرف الديني، كي لا تأكلنا الضباع

مقال

جوني منصور - ما جرى في الناصرة قبل يومين من تعدي عصابة منفلتة على كنيسة البشارة الارثوذكسية يدعونا إلى التأمل قليلا في الوضع الذي وصلنا إليه، أو أوصلنا إليه. فالعصابة أو الجماعة التي تطلق على نفسها "جنود الرب" مدسوسة وهذا لا ريب فيه. كما أنها تضم في صفوفها عددا من الشباب الذين يتم حشدهم بين الفينة والأخرى لخدمة اجندات طائفية وتمزيقية معروفة لكثيرين. لكن أين الخطورة؟ في توسع حضور هذه الجماعة وغيرها في سياق مجتمعنا، الذي هو أصلا مفكك ومفتت. وكنت قد أشرت إلى هذه الجماعة في عدد من المقالات في السابق عند وقوع حادثة دير مار الياس في ستيلا ماريس بحيفا قبل سنتين. حيث ظهرت هذه الجماعة بأعلامها وبلوزاتها السوداء التي تحمل شعاراتها وسيارات دفع رباعي عليها صلبان خشبية كبيرة.

وللأسف لم ينتبه رجال الدين المسيحيين في حينه إلى خطورة حضور هذه الجماعة، بالرغم من انني نبهت ولفتت النظر. قمت في حينه بالتحقيق الاستقصائي حول تكوين هذه الجماعة، وتوصلت إلى بعض النتائج التي تفيد أنهم شباب من عدد من قرى الجليل وبعض الشباب من القدس. كلهم يرفض انتمائه القومي والوطني. ومعظمهم يؤيدون التجنيد في الجيش. ويسود لديهم الاعتقاد بأنهم مهددون من بيئتهم وأن مستقبلهم سوداوي، ولن يقفوا مكتوفي الايدي بل يريدون غطاء يحميهم، ووجدوه في الحكومة وأذرعها. وبناء عليه، يتحركون بواسطة اوامر عليا تنسيقية بينهم وبين وكلاء الحكومة. وبناء عليه، يتوجب على قيادات مجتمعنا السياسية والدينية والاجتماعية الانتباه جيدا إلى هذه الجماعة كي لا تتحول إلى ظاهرة تنتشر بسرعة في اجواء حساسة تسود الوطن خاصة والاقليم عامة.

وما حصل في كنيسة مار الياس في دمشق من عمل اجرامي ارهابي استنكرته كل الاطراف السورية والعربية والاسلامية والمسيحية والعالمية، ترك أثرا عند بعض الشرائح المسيحية في سوريا اولا وفي فلسطين ثانيا. وما قامت به هذه الجماعة في الناصرة مرفوض جملة وتفصيلا. وعلى القيادات المختلفة جز هذه الاعشاب الضالة بسرعة والبحث عن أطر لرعاية الشباب والفتيان كي لا يقعوا فريسة بين انياب هؤلاء. ودراسة كل السبل التي تعمل على بناء جسور العيش المشترك الواحد والوحيد بين أبناء شعبنا الذي يتعرض إلى القمع والقهر والاضطهاد والظلم والترحيل والقتل والجريمة والعنف... معًا، وفقط معًا يمكننا الحفاظ على حضورنا وبقائنا في أرضنا ووطننا الذي جمع ويجمع أبناء الشعب الواحد ذي التعددية الثقافية والدينية والاجتماعية. فلننتبه إلى هذا الأمر، "كي لا تأكلنا الضباع"، كما قالها الأديب الراحل سلمان ناطور.